هل يقود إيلون ماسك “تيسلا” إلى خط النهاية ؟
استطاع رجل الأعمال الكندى الأمريكى إيلون ماسك بناء شركة “تيسلا” الأمريكية المتخصصة فى صناعة السيارات الكهربائية وتقديمها إلى العالم، لكن يبدو أنه مصمم أيضاً على هدم المعبد على رأسه بعد سلسلة طويلة من الأعمال المثيرة للجدل والتى لها تداعيات مقلقة على مستقبل الشركة، أحدثها الظهور فى بث مباشر عبر الإنترنت مع الممثل الكوميدى جو روجان بينما كان يدخن الماريجوانا ويشرب الكحوليات.
وبدأت مشكلات ماسك فى شهر مايو الماضى عندما أثار حيرة وإحباط المحللين فى المؤتمر الهاتفى لنتائج أعمال الربع الأول، الذى سجلت فيه الشركة أكبر عجز فصلى فى تاريخها عند 710 ملايين دولار.
وأراد المحللون تفاصيل بشأن التمويل الذى تحتاجه الشركة وفشل السيارة موديل “3” فى توليد الطلب المتوقع لها، وبدا أن ماسك كان يريد أن يتحدث عن المستقبل وليس الحاضر.
ورفض ماسك الإجابة على سؤال أنطونيو ساكوناجى، المحلل من “سانفورد آند بيرنشتاين”، الذى سأل عن المتطلبات الرأسمالية المستقبلية للشركة، وأجاب “اعذرنى، السؤال التالى، لا تعد الأسئلة المملة والغبية أمراً جيداً”.
وجاء السؤال التالى من المحلل فى “آر بى سى كابيتال”، جوزيف سباك، الذى سأل عن حجوزات موديل “3”، وأجاب “هذه الأسئلة جافة للغاية وتقتلنى”.
وأدهشت المكالمة المحللين مثل أدم جونز، من “مورجان ستانلى”، الذى قال لشبكة “سى إن بى سى” إنها بلا شك أغرب مكالمة أرباح سمعها فى 20 عاماً.
وانخفضت أسهم تيسلا فى يوم المكالمة الأربعاء 2 مايو بنسبة 8%، وافتتحت يوم الخميس على تراجع نسبته 7%، ولكى ينقذ ماسك الموقف، اتجه إلى تويتر يوم الجمعة مستخدماً استراتيجية الرئيس دونالد ترامب، وانتقد المحللان انطونى وجوزيف، قائلا إنهم يدعمون بائعى أسهم الشركة على المكشوف.
وفى مكالمة نتائج أعمال الربع الثانى اعتذر للمحللين عن سلوكه، وقال إنه لا يوجد عذر لما فعله ولكن أرجع ما حدث إلى قلة النوم وساعات العمل الطويلة.
وفى السابع من أغسطس الماضى، أثار ماسك اللغط مجدداً من خلال الإعلان عن أن الشركة ستتحول من شركة مدرجة فى البورصة إلى شركة خاصة، وكان قد قال فى مقابلة يوم 15 نوفمبر 2017 إنه يتمنى لو تصبح “تيسلا” شركة خاصة لأن كونها شركة عامة يجعلها أقل كفاءة.
وادعى ماسك، أنه قابل مدير صندوق الثروة السيادية السعودى 31 يوليو الماضى، وقال إن المدير السعودى عبر عن ندمه إنه لم يتقدم فى وقت سابق لعقد صفقة معه لتحويل “تيسلا” لشركة خاصة أنه أبدى دعمه الشديد لتمويل مثل هذه الصفقة.
وقال ماسك إنه فهم من حديث مدير صندوق الثروة السيادى أن القرار لا يتطلب موافقة ساسة سعوديين آخرين وأنهم حريصون على المضى قدماً فى هذه الصفقة، ولكن لم يستجب الصندوق السعودى لطلبات التعليق على الأمر.
وفى الثانى من أغسطس ادعى ماسك أنه أخبر مجلس إدارة الشركة بأنه يريد تحويل الشركة لشركة خاصة وشراء الأسهم من المساهمين بسعر 420 دولاراً للسهم، وفى السابع من نفس الشهر، قال فى تغريدة على “تويتر” أنه “أمن تمويل الصفقة”، ما رفع أسعار أسهم تيسلا بنسبة 12%.
ولكن هذه التغريدة جذبت الكثير من المشكلات على ماسك، فقد دفعت لجنة الأوراق المالية والبورصات لإجراء تحقيق للتأكد من أن تغريداته بشأن خصخصة الشركة صادقة، وللبحث فى سبب إعلانه خصخصة الشركة على تويتر بدلاً من التقدم بأوراق رسمية للمشرعين، كما قام اثنين من المستثمرين فى “تيسلا” بالتقدم بدعويين منفصلتين لمقاضاة ماسك واتهامه بتضليل المستثمرين والتلاعب بسعهر سهم الشركة.
وعززت تصريحاته الشكوك حول مدى ملاءمته لإدارة “تيسلا”، وطالب البعض بإعفائه من بعض مهامه اليومية.
ودافع ماسك عن نفسه فى مدونة على الموقع الرسمى لـ”تيسلا” الإلكترونى فى الثالث عشر من أغسطس الماضى، وأوضح أنه قال إن التمويل المضمون لأنه اعتقد أنه لا يوجد شك فى توفير صندوق الاستثمار العام السعودي للتمويل اللازم لتحويل “تيسلا” إلى شركة خاصة لذلك أعلن الأمر عبر تويتر لإعلام جميع المستثمرين فى الشركة باحتمالية تحولها إلى شركة خاصة فى نفس الوقت دون تأخير.
وتوالت القضايا المقامة ضد ماسك والشركة بسبب هذه التغريدة وكان آخرها الدعوة التى أقامها، أندرو ليفت، مؤسس شركة “سيترون”، والذى يمثل مجموعة من البائعين على المكشوف، فى السادس من سبتمبر الجارى متهماً “تيسلا” وماسك بالتلاعب بسعر الأسهم متعمداً رفع سعرها لإلحاق الضرر ببائعى الأسهم على المكشوف الذين يكرههم ماسك لأنهم يراهنون على تراجع سعر السهم.
ويتهم ليفت ماسك باختلاق قصة الخصخصة لرفع سعر السهم خاصة بعد أن ألغى فى نهاية أغسطس الماضى فكرة الخصخصة.
وكان ظهور ماسك فى البث المباشر مدخنا الماريجوانا القشة التى قصمت ظهر البعير ودفعت اثنين من كبار المسئولين فى الشركة إلى الاستقالة.
وأعلن المدير المالى، ديف مورتون، تقديم استقالته بعد أقل من شهر على انضمامه للشركة، ونتيجة لذلك، انخفضت أسهم تيسلا، ثم امتد الانخفاض بعد أن قالت مديرة إدارة الموارد البشرية غابرييل توليدانو، التى كانت بإجازة، فى تصريحات لـ”بلومبرج”، إنها لن تعود إلى الشركة.
وانضم مورتون، المدير المالى السابق لدى شركة “سيجيت تكنولوجى”، إلى فريق عمل تيسلا قبل يوم واحد من إعلان ماسك فى تغريدة له عبر موقع التغريدات القصيرة تويتر أنه يفكر في شراء أسهم المستثمرين بسعر 420 دولاراً للسهم وتحويل “تيسلا” إلى شركة خاصة، ولكن المدير التنفيذى تخلى عن هذه اﻷحلام بعد 17 يوماً فقط.
وقال مورتون، عقب تقديم استقالته: “منذ انضمامى إلى فريق عمل تيسلا فى السادس من أغسطس الماضى، تجاوز مستوى الاهتمام العام بالشركة ووتيرته توقعاتى ونتيجة لذلك قررت إعادة النظر فى مستقبلى داخل الشركة”.
وأضاف مورتون: “أريد أن أكون واضحاً أننى أؤمن بشدة بتيسلا ورسالتها وآفاقها المستقبلية، كما أننى لا أعانى من أى خلافات مع قيادة تيسلا أو حتى تقاريرها المالية”.
ولطالما ناضلت تيسلا مع ارتفاع معدلات دوران كبار المسئولين التنفيذيين، كما أن فريقها التمويلى، على وجه الخصوص، قد مر بفترة من الاضطرابات الكبيرة، فقد خسرت الشركة كبير موظفى المحاسبة السابق إريك برانديريز، وسوزان ريبو، التى احتلت منصب مديرة المالية ونائبة رئيس المالية فى الربع اﻷول من العام الجارى، كما تقاعد المدير المالى ديباك أهوجا فى عام 2015، ومن ثم عاد العام الماضى عندما استقال خليفته جايسون ويلر بعد 15 شهراً فقط.
وقال كاتب مقالات الرأى ليام دينينج، فى مقال نشرته وكالة أنباء “بلومبرج”، إن تصرفات ماسك قد تكون مقبولة إذا كان كل شىء يسير على ما يرام فى الشركة، ولكن الأمر ليس كذلك.
وخسرت تيسلا نحو ثلث قيمتها فى أغسطس الماضى، عندما سعى ماسك إلى خصخصتها، ما دفع المحللين إلى حث مجلس الإدارة على دراسة تغييرات رئيسية بتشكيلة المجلس التنفيذي وإعفاء ماسك من بعض من مهامه اليومية العادية فى إدارة الشركة.
كما أن رحيل مورتونو وتوليدانو، وتدخين ماسك الماريجوانا، تسبب فى تراجع أسهم الشركة بنسبة 6.3% إلى 263.24 دولار للسهم، وهو أدنى سعر إغلاق منذ 2 أبريل الماضى.
كما انخفضت سندات الشركة إلى 83.5% من قيمتها الاسمية بعد ساعات من البث المباشر واستقالة كبار المسئولين، وارتفع العائد على السندات المصدرة أغسطس الماضى من 5.3% إلى 8.5% وهو ما كبد حامليها خسائر بقيمة 297 مليون دولار.
وفى يوم الجمعة الماضى، أخر أيام التداول فى الأسبوع، تراجع سعر السهم بنسبة 10%، مستكملاً سلسلة الهبوط الممتدة منذ سبعة أيام، وهو ما خفض القيمة السوقية للشركة إلى أعلى قليلاً من 45 مليار دولار، وخسرت الشركة 3 مليارات دولار من قيمتها يوم الجمعة وحده.
وقال جيمس ألبرتاين، رئيس رابطة جماعات الضغط الأمريكية” أصبح من الواضح أن تيسلا بحاجة إلى تغير كبير فى مجلس الإدارة لأن أزمة العلاقات العامة التى يثيرها ماسك لها أثار سلبية مرتدة على الشركة وعلى شخصيات رئيسية داخلها، كما أنها تشتت انتباه السوق عن التحسن فى أسس الشركة.
وقال فيليب هوشيوس، محلل بمجموعة “جيفريز”، إن ماسك يسير على مسار سيدمره، مضيفاً أن الفريق الذى ساعد تيسلا على أن ترى النور لم يعد هو الفريق المطلوب فى مرحلتها القادمة، وهناك مهارات أخرى مطلوبة غير متوفرة لدى ماسك.